قصيدة أبا الزهراء قد جاوزت قدري
يقول أحمد شوقي في مدح نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم:
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
-
-
- لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
-
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ
-
-
- فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
-
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً
-
-
- تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
-
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ
-
-
- هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
-
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى
-
-
- وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا
-
وَلَو خُلِقَت قُلوبٌ مِن حَديدٍ
-
-
- لَما حَمَلَت كَما حَمَلَ العَذابا
-
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِم سُلافاً
-
-
- وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
-
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ
-
-
- مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
-
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى
-
-
- وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
-
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ
-
-
- إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
-
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي
-
-
- كمن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
-
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى
-
-
- تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
-
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ
-
-
- وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ تابا
-
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها
-
-
- وَتُفنيهِمِ وَما بَرَحَت كَعابا
-
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي
-
-
- لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
-
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ
-
-
- وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
-
جَنَيتُ بِرَوضِها وَرداً وَشَوكاً
-
-
- وَذُقتُ بِكَأسِها شُهداً وَصابا
-
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللَهِ حُكماً
-
-
- وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ بابا
-
وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلّا
-
-
- صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبِ اللُبابا
-
وَلا كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ
-
-
- يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا
-
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً
-
-
- وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
-
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها
-
-
- كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
-
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخراً
-
-
- وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابا
-
فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي
-
-
- وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها اِنتِيابا
-
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ
-
-
- وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا
-
وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ
-
-
- وَلَم أَرَ خَيِّراً بِالشَرِّ آبا
-
فَرِفقاً بِالبَنينِ إِذا اللَيالي
-
-
- عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا
-
وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى
-
-
- وَلا اِدَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا
-
عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا
-
-
- عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا
-
وَتُلفيهُمْ حِيالَ المالِ صُمّاً
-
-
- إِذا داعي الزَكاةِ بِهِم أَهابا
-
لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللَهِ مِنهُ
-
-
- كَأَنَّ اللَهَ لَم يُحصِ النِصابا
-
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئاً
-
-
- كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخابا
-
أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرّاً
-
-
- وَبِالأَيتامِ حُبّاً وَاِرتِبابا
-
فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ
-
-
- سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا
-
وَكانَ لِقَومِهِ نَفعاً وَفَخراً
-
-
- وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابا
-
فَعَلِّم ما اِستَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً
-
-
- سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا
-
وَلا تُرهِق شَبابَ الحَيِّ يَأساً
-
-
- فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا
-
يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اِشتِراكاً
-
-
- وإن يَكُ خَصَّ أَقواماً وَحابى
-
فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ
-
-
- وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا
-
وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِك فَريقٌ
-
-
- عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمُ غِضابا
-
تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَوماً وَقَبلي
-
-
- دُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا
-
وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ
-
-
- فَجَرتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا
-
أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى
-
-
- إِلى الأَكواخِ وَاِختَرَقَ القِبابا
-
وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى
-
-
- حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا
-
وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ
-
-
- وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا
-
وَسَوّى اللَهُ بَينَكُمُ المَنايا
-
-
- وَوَسَّدَكُم مَعَ الرُسلِ التُرابا
-
وَأَرسَلَ عائِلاً مِنكُم يَتيماً
-
-
- دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا
-
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً
-
-
- وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
-
تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ
-
-
- فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُم مَتابا
-
وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ
-
-
- كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا
-
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً
-
-
- وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا
-
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى
-
-
- أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا
-
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي
-
-
- وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
-
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ
-
-
- إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
-
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت
-
-
- بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا
-
وَأَسدَت لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ
-
-
- يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
-
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً
-
-
- كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
-
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً
-
-
- يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
-
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكاً
-
-
- وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
-
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري
-
-
- بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ اِنتِسابا
-
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ
-
-
- إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
-
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدراً
-
-
- فَحينَ مَدَحتُكَ اِقتَدتُ السَحابا
-
سَأَلتُ اللَهَ في أَبناءِ ديني
-
-
- فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
-
وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ
-
-
- إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا
-
كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِم
-
-
- أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا
-
وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نوراً
-
-
- وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُم حِجابا
-
بَنَيتَ لَهُم مِنَ الأَخلاقِ رُكناً
-
-
- فَخانوا الرُكنَ فَاِنهَدَمَ اِضطِرابا
-
وَكانَ جَنابُهُم فيها مَهيباً
-
-
- وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا
-
فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئباً
-
-
- وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا
-
فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ
-
-
- تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا
-
وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ
-
-
- يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا
-