ثنائية التزامن والتعاقب عند سوسير
اختصت هذه الثنائية بمناهج البحث في اللغة وطريقة دراستها، وقسّم سوسير دراسة اللغة إلى منهجين وهما التزامن والتعاقب، فالتزامن يعني دراسة اللغة ضمن فترة محددة دون أيّ اعتبار للزمن والتغيرات التي طرأت على اللغة في الفترة التالية، أو التحورات التي تشكلت من اللغة في الفترة السابقة، ولها عدة مسميات؛ كالتزامنية والآنية والوصفية والتعارضية والسكونية والتواقتية.1
أما التعاقب فيعني دراسة اللغة الواحدة على مر الزمان لرصد التغيرات التي طرأت عليها والبحث في الأسباب التي غيّرتها للوصول إلى شكلها النهائي، ورصد هذه التغيرات على المستويات اللغوية كافةً؛ الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والدلالية ولها عدة مسميات؛ كالزمانية والتاريخية والتطورية.1
هذان المنهجان هما اللذان شكلا اللسانيات الحديثة، فالدراسة الوصفية (السكرونية) لم تُفرق بين مستويات اللغة الفصحية وغيرها، وهذا أساسٌ من أسس اللسانيات الحديثة، كما أنّها درست اللغة لذاتها دون أيّة مؤثرات خارجية، والدراسة التاريخة (الديكرونية) اهتمت باللغات العاميّة على أنّها الوريث للغة الفصيحة، وهي شكلٌ من أشكال تطورها.1
تأثر ثنائية التزامن والتعاقب وتأثيرها
ظهرت نظرية دارون في تطور الأنواع، وأثرت في شتى العلوم المادية والإنسانية، وتأثرت بها دراسة اللغة، ونظر إلى اللغة على أنّها كائن حي شأنها شأن بقية الكائنات الحيوانية لها تطور وعمر، وكما هو الحال في نظرية داروين أنّ الحيوانات تمر بمراحل تطورية، فكذلك كانت النظرة إلى اللغة على أنّها كائن حي يمر بالتطور وتطرأ عليه التغييرات.2
علمًا أنّ دي سوسير أراد لدراسة اللغة أن تكون لذاتها وفي ذاتها بعيدًا عن أيّ تدخل من بقية العلوم، إلا أنّه نفسه لم يستطع التخلص من هذه النزعة، فدراساته كانت متأثرةً بالفلسفة،2 كما أنّه تأثر بنظرية داروين دون أن يشعر، فخرج بفكرتي تطور اللغات والاعتباطية فيها، وهي أفكار مستوحاة من نظرية داروين بركنيها (تطور الأنواع والاختيار الأعمى).3
أما تأثيرها فكان على مستوى المناهج اللسانية، فلمع نجم منهجان سيطرا على دراسة اللغة فترةً من الزمن، الأول هو المنهج التاريخي الذي يبحث في التغييرات التي طرأت على اللغة، وأخذ بألباب الدارسين وراحوا يبحثون عن تطور اللغات لإيجاد اللغة الأولى التي انحدرت منها جميع اللغات،2 وبدوره أثر المنهج التاريخي في ظهور مناهج عدة لدراسة اللغات فيما يأتي:
- المنهج المقارن
الذي يدرس الاختلافات والتشابه بين اللغات التي تنتمي إلى فصيلةٍ مشتركة كاللغات السامية: العربية والعبرية.4
- المنهج التقابلي
الذي يدرس لغتين ينتميان إلى فصيلتين مختلفتين كلغة انحدرت من فصيلة اللغات الهندوأوروبية كالإنجليزية ولغةٍ انحدرت من فصيلة اللغات السامية كالعربية.5
- المنهج الوصفي
والذي يجمع المادة اللغوية ومن ثم يقوم باستقراء القواعد منها.6
ثنائيات سوسير في اللسانيات
أثّر كتاب عالم اللغويات فرديان دي سوسير (محاضرات في اللسانيات العامة) على البحث اللغوي حيث كان مقدمة الدراسات اللغوية الحديثة أو ما يعرف باللسانيات أو الألسنية، وقد أوجد سوسير تقسيمات ثنائية لمصطلحات اللغة والبحث اللغوي، وكان من بين هذه الثنائيات ثنائية التزامن والتعاقب.7
المراجع
- ^ أ ب ت الدكتور عبدالله خضر حمد، مناهج النقد الادبي: السياقية و النسقية، صفحة 147-152. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمود السعران، علم اللغة العام مقدمة للقارئ العربي، صفحة 271-281. بتصرّف.
- عزمي محمد، مجلة الدراسات اللغوية المجلد 22 العدد 4، صفحة 319-320. بتصرّف.
- بلقاسم سلاطنية، حسان الجيلاني، المناهج الأساسية في البحوث الاجتماعية، صفحة 98-99. بتصرّف.
- الأستاذ الدكتور حمدي بخيت عمران، علم اللغة: دراسة نظرية وتطبيقية، صفحة 24-25. بتصرّف.
- إميل بديع يعقوب، موسوعة علوم اللغة العربية، صفحة 201. بتصرّف.
- مكين القرني، اللسانيات قضايا و تطبيقات، صفحة 13-16. بتصرّف.