ما هو البحث العلمي؟
يُعَدُّ البحث العلميّ (بالإنجليزية: Scientific Research) منهجًا لوصف الوقائع عبر مجموعةٍ من المعايير التي تُساهم في نُموِّ المعرفة، وتجدر الإشارة إلى أن تعريفات البحث العلمي اختلفت تبعًا لاختلاف اتّجاهات الباحثين؛ وفقاً لميولهم، وقناعاتهم العلميّة، ومن تعريفاتهم للبحث العلمي:1
- عرَّفه عبد الباسط خضر بأنّه: “عمليّة فكريّة مُنظَّمة، يقوم بها شخصٌ يسمّى (الباحث)؛ من أجل تقصِّي الحقائق في مسألة، أو مشكلة مُعيَّنة تُسمّى (موضوع البحث)، باتّباع طريقة علميّة مُنظَّمة تُسمّى (منهج البحث)؛ بُغية الوصول إلى حلولٍ ملائمة للعلاج، أو إلى نتائج صالحة للتعميم على المشكلات المُماثِلة تُسمَّى (نتائج البحث)”.
- عرَّفه محمد عناية بأنّه: “التقصِّي المُنظَّم باتّباع أساليب ومناهج علميّة مُحدَّدة للحقائق العلميّة؛ بقصد التأكُّد من صحّتها، وتعديلها، أو إضافة معلوماتٍ جديدة لها”.
- عرَّفه فريدريك كيرلنجر (Fredrick Kerlinger) بأنّه: “تقصٍّ تجريبيّ ناقد، ومُنظَّم، ومضبوط لافتراضاتٍ تُحدِّد طبيعة العلاقات بين مُتغيِّرات ظاهرةٍ مُعيَّنة”.2
ومع تعدد تعريفات العلماء والباحثين لمفهوم البحث العلمي، إلّا أنّ جميع تلك التعريفات تشترك في عدّة نقاطٍ وهي:2
- عدم اعتماد البحث العلمي على اتّباع الطرق غير العلمية كالخبرة، وإنما يعتمد البحث العلمي، ويتّبع منهجًا وأسلوبًا منظّمًا في البحث.
- يمتلك البحث العلمي القدرة على التكيُّف ضمن البيئة التي يتم دراستها، وبالتالي القدرة على السيطرة عليها، فهو يهدف إلى زيادة معرفة الإنسان وتوسيعها.
- يهتم البحث العلمي باختبار جميع المعلومات التي يتوصّل إليها، ويتحقق من صحّتها، ويُثبتها تجريبيًا، وبعدها يتم نشرها وإعلانها.
- يُستخدم البحث العلمي في مختلف المجالات سواءً التربوية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمهنية، والمعرفية على حدٍّ سواء؛ فهو يشمل ميادين الحياة جميعها بمشكلاتها المختلفة.
ويمكن تعريف البحث العلميّ اعتمادًا على ما سبق بأنّه عمليّة مُخطَّطٌ لها، تتَّسم بالموضوعيّة، وتعتمد على مجموعةٍ من الخطوات؛ بهدف دراسة في ظاهرةٍ معينة، ومعرفة الحقائق، والمبادئ اللازمة لاكتشاف حلولٍ تتعلَّق بالمشكلات، في المجالات جميعها.2
أنواع البحث العلمي
يُمكن تقسيم البحوث تبعًا لطبيعتها والدوافع من إجرائها إلى نوعين رئيسيين، وهما:3
- البحوث الأساسيّة أو البحثيّة، وتُسمّى أحيانًا بالبحوث النظريّة.
- البحوث التطبيقيّة.
كما يُمكن تقسيم أنواع البحث العلمي تبعًا للمناهج والأساليب المستخدمة في إجرائها إلى ثلاثة أنواعٍ رئيسيّةٍ، وهي:3
- بحوث تاريخيّة.
- بحوث وصفيّة.
- بحوث تجريبيّة.
تطور مراحل البحث العلمي
استُخدمت العديد من الطرق والأساليب المتنوّعة من أجل الوصول إلى المعرفة، وتُعدُّ تلك الوسائل بمثابة خطواتٍ تدلُّ على مراحل تطوّر البحث العلمي، ويمكن تقسيم مراحل البحث العلمي وفقاً للآتي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تلك المراحل مرتبطةٌ معاً وغير منفصلةٍ عن بعضها:4
- مرحلة الصدفة: تميّزت هذه المرحلة بعدم وجود أي اهتمامٍ للبحث عن أسباب الظواهر أو المشكلات، فقد تمّ نسب حدوث تلك الظواهر والمشكلات إلى الصدفة.
- مرحلة المحاولة والخطأ، والاعتماد على الخبرة: تميّزت هذه المرحلة بتكرار المحاولات إلى حين التوصّل إلى حلٍّ للمشكلة التي يواجهها أيّ شخص، ومن ثم اكتساب الخبرة التي تساعده في حلِّ المشكلات البسيطة التي يمكن أن تواجهه في حياته.
- مرحلة الاعتماد على السلطة والتقاليد: في هذه المرحلة تم الاعتماد على آراء وأفكار أصحاب السلطة من السياسيين ورجال الدين بغضِّ النظر عن صحتها.
- مرحلة التكهّن والتأمّل، والجدال، والحوار: وفي هذه المرحلة تمّ التحرّر من قوّة السّلطة والتقاليد السائدة خلال هذه المرحلة؛ حيث أصبح الباحثون يعتمدون على الجدل، والنقاش، والمنطق للتوصّل إلى تفسير الظواهر وحلِّ ما يواجههم من مشكلات، وأهم ما يميّز هذه المرحلة ظهور التفكير الاستقرائي؛ الذي يتوصّل إلى المعرفة من خلال الانتقال من الأمثلة الجزئيّة إلى النتيجة النهائيّة، وظهور التفكير القياسي والذي يعتمد على الانتقال من المقدّمات إلى التوصّل إلى النتيجة النهائيّة.
- مرحلة الطريقة العلمية: استُخدمت الطريقة العلمية في التوصّل إلى المعلومات في مجال العلوم الطبيعية بدايةً، ثمّ تمّ التوسّع في استخدامها لتشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويتم تطبيق الطريقة العلمية بإجراء عددٍ من الخطوات، وهي: وضع الفرضيات، وجمع بيانات، وعمل التجارب بهدف نفي أو تأييد الفرضيات الموضوعة اعتمادًا على النتائج التي تمّ التوصّل إليها.
أهداف البحث العلمي
تتعدَّد أهداف البحث العلمي، وآتيًا ذكر أبرز هذه الأهداف:5
- الوصف: يُعدُّ الوصف من أهم أهداف البحث العلمي، ويتم تحقيقه من خلال جمع معلوماتٍ حول ظاهرةٍ ما بما يُساعد الباحث على صياغة الفرضيات وتفسير الظاهرة بشكلٍ واقعيّ.
- التنبؤ: يتم التركيز على هذا الهدف في البحث العلمي؛ فهو يُساعد على وضع تصوّراتٍ وتوقعاتٍ للتغيّرات التي من الممكن حدوثها مستقبلًا للظواهر المختلفة، وذلك بعد دراسة الظاهرة ودراسة الظروف التي قد تؤثر عليها.
- التفسير: يُركّز هذا الهدف على شرح الظاهرة شرحًا وافيًا، وبيان جميع الأسباب التي تؤدي إلى حدوثها، ويوجد نوعان من الأبحاث بناءً على هذا الهدف وهي: أبحاث تفسيرية بحتة، والأبحاث التوضيحية التطبيقية.
- التقويم: يُركّز هذا الهدف على تقويم أيّ ظاهرةٍ يتم دراستها.
- الدحض والتفنيد: ويأتي هذا الهدف بعد إجراء عددٍ من التجارب حول أيّ ظاهرة؛ حيث يؤيد الباحث النظرية ويؤكد صحّتها، أو قد يرفضها بسبب ثبوت عدم صحّتها.
- التثبّت: يُقصد بهذا الهدف أن يتأكّد الباحث من صحة أبحاثٍ سابقة لنفس موضوع الدراسة أو نفي صحّتها بأخذ عِدّة عيّناتٍ دراسية وضمن بيئة مختلفة عن بيئته التي اختارها لإجراء دراسته.
- إيجاد معرفة عصرية: وهو من أهداف البحث العلمية المهمَّة، ويُشير إلى سعي الباحث للتوصّل إلى معلوماتٍ ومعرفة جديدةٍ تُفيد في تطوّر العلم وتقدّمه.
- التحكم والضبط: يأتي هذا الهدف بعد دراسة أيّ ظاهرةٍ والتأكّد منها؛ حيث يستعين الباحث بمجموعةٍ من الأدوات التي تُساعده في ضبط دراسته والتحكّم بها.
أهمية كتابة البحث العلمي
تتمثل أهمية البحث العلمي وفوائد إجرائه في سببٍ أو أكثر من الأسباب الآتية:4
- الاهتمام بتطوير المجتمع وخدمته.
- الاهتمام باكتشاف ما هو مجهول، والتوصّل إلى معلوماتٍ جديدة.
- السعي إلى التوصّل لحلِّ مسائل غير محلولة.
- تقديم البحث كمتطلّبٍ للحصول على درجة الدكتوراه أو الماجستير.
- اهتمام المؤسسات بإجراء الدراسات والبحوث التي تُسهم في توسعِّها وتطورها.
- التأكّد من نتائج بحوث سابقة بسبب الشكِّ في نتائجها.
- شعور الباحث بالمتعة عند حلِّ المشكلات التي تواجهه أو تواجه الآخرين، أو عند إنجازه لعملٍ مفيدٍ له ولغيره بإبداع.
خصائص البحث العلمي
يتَّصف البحث العلمي بعددٍ من الخصائص التي تجعل منه بحثًا مُحكمًا وشاملًا، وفيما يأتي أهم هذه الخصائص:6
- العمق، والتحليل، والنقد، وسرد المعلومات بعد الإجابة عن عددٍ من الأسئلة، مثل: لماذا؟، كيف؟، إذن ماذا؟، وغيرها من الأسئلة التي يتم طرحها أثناء إجراء البحث.
- إبراز استقلالية الباحث في طرح المعلومات، والتوصّل إلى كل ما هو جديد، وسعيه لحلِّ مشكلات البحث، ويكون ذلك من خلال طرح أفكاره الخاصة بلغته، وتجنّب النقل الحرفي للمعلومات وغيرها من الأمور.
- الموضوعيّة؛ وهي تتمثّل في عددٍ من الأمور منها: البعد عن التحيّز والعواطف عند طرح الأفكار، والنظر للموضوع بنظرة محايدة، وطرح أدلّة عقلية تعتمد على الإقناع العقلي.
- الاستقصاء؛ فالبحث العلمي يهتم بدراسة المشكلة أو الظاهرة بكافّة مفاهيمها وجوانبها بشموليّة وبشكلٍ دقيقٍ.
- اتّباع مناهج البحث العلمي، وأهمّها المنهج الوصفي، والاستقرائي، والتحليلي، والنقلي.
- التوثيق؛ حيث يتم إسناد المعلومات الواردة في البحث إلى مصدرها ومرجعها، مع الاهتمام بتنويع المراجع المستخدمة.
- الدقّة والجديّة.
- الوضوح والبساطة.
- التناسق؛ حيث يتم كتابة البحث باتّباع وتيرة متناسقة على جميع أجزائه.
- تجنّب تكرار المعلومات.
- شرح المعلومات التي يتم كتابتها وتعريفها بالاعتماد على المراجع الأصليّة التي أُخذت منها.
- الاهتمام بأساليب الكتابة والتعبير، والقواعد المُتّبعة في الكتابات الأكاديميّة، وعلامات الترقيم، والإملاء.
مناهج البحث العلمي
تتنوَّع مناهج البحث العلميّ بتنوع المجالات العلمية وتعدُّد الموضوعات على النحو الآتي:7
- المنهج التجريبيّ: يستند الباحث في هذا المنهج إلى التحكُّم بالمُتغيِّرات، والعوامل التي كوَّنت الظاهرة جميعها، ما عدا مُتغيِّرٍ واحدٍ يتمّ إخضاعه للتغيير، والتبديل؛ بهدف قياس نتائج ذلك الأمر على الاتّجاهات الخاصّة بالظاهرة.
- المنهج الاستقرائيّ: يهتمّ هذا المنهج بدراسة الأفراد الذين يشملهم البحث دراسةً جزئيّة، أو كلّية؛ وصولًا إلى حُكمٍ عام.
- المنهج الوثائقيّ: يهتمّ هذا المنهج بالبحث عن الوثائق، ودراستها؛ لأنّها تُعَدُّ مرآةً للأحداث التي جرت في الماضي، ويمكن تسمية هذا المنهج أيضاً بالمنهج النقليّ أو التاريخيّ.
- المنهج الوصفيّ التحليليّ: يهتمّ هذا المنهج بوصف ظاهرةٍ ما، وصولًا إلى أسبابها، والعوامل التي تؤثِّر فيها، واستخراج النتائج، وتعميمها؛ ويتمّ استخدام العديد من الطرق في هذا المنهج؛ التي تتطلب جهد الباحث، وخبرته، ويتمّ تفسير النتائج بعناية كبيرةٍ، مثل: طريقة: دراسة الحالة، وطريقة المسح، وغيرها.
- المنهج الاستنباطيّ: يُعنى هذا المنهج بالوصول إلى نتائج، وقضايا مُحدَّدة، عبر انتقال الذهن من قضايا مُسلَّمٍ بها، دون اللجوء إلى التجارب، وإنّما من خلال المنطق.
خطوات البحث العلمي
يجب أن يمتاز الباحث الجيد بالموضوعية لتجنُّب الوقوع بالخطأ والتحيزات الشخصية التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور نتائج مزيفة وغير حقيقية؛ فلذلك تعتمد عملية البحث العلمي بأكملها بدءاً من تحديد سؤال البحث إلى استخلاص النتائج على مجموعة من الخطوات، وفيما يأتي ذكر لأهم خطوات البحث العلمي.
الخطوة الأولى: تحديد مشكلة البحث أو السؤال البحثي
يجب على الباحث أن يفكر بشكلٍ نقدي، ويتأكد النظريات الموجودة حول مشكلة البحث، أو يعيد تقييمها، أو يطوّر نظريات جديدة تمامًا، وذلك عن طريق البحث العلمي بتحديد موضوع البحث وطرح السؤال البحثي، ثم التأكد فيما إذا تمت الإجابة عنه أم لا، وذلك من خلال قراءة مقالات وأبحاث علمية لعلماءٍ آخرين، والتي يمكن العثور عليها من خلال قواعد بيانات البحوث أو المجلات العلمية التي تنشر مقالاتٍ أكاديمية على الإنترنت؛ ليكون الباحث بذلك قد اطلع على الموضوع بشكلٍ أوسع، واستطاع تضييق عملية البحث.8
الخطوة الثانية: جمع المعلومات وتكوين الفرضيات
لا بدَّ من جمع المعلومات البحثية لتُوضَع الفرضية، والتي تَشكّل الاعتقاد والتَوقع المُسبق لنتائِج تجربةٍ مُعينة بناءً على المعلومات التي جُمِعَت سابقاً.8
الخطوة الثالثة: تجربة التصميم
تُجْرَى التجربة واختبار الفرضيات، وتَسجيل وتَجميع المُلاحظات التي تم الحُصول عليها من التجربة.8
الخطوة الرابعة: تحليل النتائج
تبدأ عملية تحليل النتائج لمَعرفة فيما إذا كانت الفرضية الصحيحة؛ وذلك باستخدام الطرق الإحصائية المختلفة، ووضع نتيجة نهائية للتجربة، ومقارنتها مع الفرضية الأصلية، أو النتائج التي تم الحصول عليها من تجارب العلماء الآخرين، وفي النهاية عرض النتائج، وشرحها، وبيان كيفية الاستفادة منها، ووضع التوصيات والاقتراحات المستقبلية.8
فيديو خصائص البحث العلمي وعناصره
للتعرف على خصائص البحث العلمي وعناصره شاهد الفيديو:
المراجع
- سعيد سالم الحنكي (2006م)، مجالات البحث العلميّ الأمنيّ في ظلّ إدارة الجودة الشاملة، الشارقة: جامعة الشارقة، صفحة 27. بتصرّف.
- ^ أ ب ت خلود الشواف، مفهوم البحث العلمي والبحث التربوي، صفحة 6-8. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد جاسم العبيدي وآلاء محمد العبيدي، طرق البحث العلمي، صفحة 62-63. بتصرّف.
- ^ أ ب ربحي عليان، عثمان غنيم (2000)، مناهج وأساليب البحث العلمي – النظرية والتطبيق (الطبعة الأولى)، عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع، صفحة 20, 21, 22. بتصرّف.
- “أهداف البحث العلمي وأهميته”، www.bts-academy.com، 5-12-2017، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2020. بتصرّف.
- عدنان العساف، مقدمة في أصول البحث العلمي ومناهجه، صفحة 1, 2. بتصرّف.
- شؤون التطوير (2015/2016)، دليل الباحث في كتابة البحث وشكله، طرابلس- لبنان: جامعة الجنان، صفحة 4. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث Matthew Schieltz (24-4-2017), “Steps & Procedures for Conducting Scientific Research”، www.sciencing.com, Retrieved 23-4-2019. Edited.