شعر النابغة الذبياني في الرثاء
كان النابغة الذبياني -وهو زياد بن معاوية بن ضباب الذبيانيّ- من شعراء الطبقة الأولى الذين أكثروا من شعر المديح للملوك وبخاصة النعمان بن المنذر،1 وكذلك له مراثٍ كثيرة دوِّنَت في ديوانه للنعمان بن المنذر،2 ومن أبرزها ما يأتي:
قصيدة دعاك الهوى
هذه القصيدة في رثاء النعمان بن المنذر، ويقول فيها النابغة:3
دَعاكَ الهَوى وَاِستَجهَلَتكَ المَنازِلُ
-
-
- وَكَيفَ تَصابي المَرءَ وَالشَيبُ شامِلُ
-
وَقَفتُ بِرَبعِ الدارِ قَد غَيَّرَ البِلى
-
-
- مَعارِفَها وَالسارِياتُ الهَواطِلُ
-
أُسائِلُ عَن سُعدى وَقَد مَرَّ بَعدَنا
-
-
- عَلى عَرَصاتِ الدارِ سَبعٌ كَوامِلُ
-
فَسَلَّيتُ ما عِندي بِرَوحَةِ عِرمِسٍ
-
-
- تَخُبُّ بِرَحلي تارَةً وَتُناقِلُ
-
مُوَثَّقَةِ الأَنساءِ مَضبورَةِ القَرا
-
-
- نَعوبٍ إِذا كَلَّ العِتاقُ المَراسِلُ
-
كَأَنّي شَدَدتُ الرَحلَ حينَ تَشَذَّرَت
-
-
- عَلى قارِحٍ مِمّا تَضَمَّنَ عاقِلُ
-
أَقَبَّ كَعَقدِ الأَندَرِيِّ مُسَحَّجٍ
-
-
- حُزابِيَّةٍ قَد كَدَّمَتهُ المَساحِلُ
-
أَضَرَّ بِجَرداءِ النُسالَةِ سَمحَجٍ
-
-
- يُقَلِّبُها إِذ أَعوَزَتهُ الحَلائِلُ
-
إِذا جاهَدَتهُ الشَدَّ جَدَّ وَإِن وَنَت
-
-
- تَساقَطَ لا وانٍ وَلا مُتَخاذِلُ
-
وَإِن هَبَطا سَهلًا أَثارا عَجاجَةً
-
-
- وَإِن عَلَوا حَزنًا تَشَظَّت جَنادِلُ
-
وَرَبِّ بَني البَرشاءِ ذُهلٍ وَقَيسِها
-
-
- وَشَيبانَ حَيثُ اِستَبهَلَتها المَنازِلُ
-
لَقَد عالَني ما سَرَّها وَتَقَطَّعَت
-
-
- لِرَوعاتِها مِني القُوى وَالوَسائِلُ
-
فَلا يَهنَئِ الأَعداءَ مَصرَعُ مَلكِهِم
-
-
- وَما عَتَقَت مِنهُ تَميمٌ وَوائِلُ
-
وَكانَت لَهُم رِبعِيَّةٌ يَحذَرونَها
-
-
- إِذا خَضخَضَت ماءَ السَماءِ القَبائِلُ
-
يَسيرُ بِها النُعمانُ تَغلي قُدورُهُ
-
-
- تَجيشُ بِأَسبابِ المَنايا المَراجِلُ
-
يَحُثُّ الحُداةَ جالِزًا بِرِدائِهِ
-
-
- يَقي حاجِبَيهِ ما تُثيرُ القَنابِلُ
-
يَقولُ رِجالٌ يُنكِرونَ خَليقَتي
-
-
- لَعَلَّ زِيادًا لا أَبا لَكَ غافِلُ
-
أَبى غَفلَتي أَنّي إِذا ما ذَكَرتُهُ
-
-
- تَحَرَّكَ داءٌ في فُؤادِيَ داخِلُ
-
وَأَنَّ تِلادي إِن ذَكَرتُ وَشِكَّتي
-
-
- وَمُهري وَما ضَمَّت لَدَيَّ الأَنامِلُ
-
حِباؤُكَ وَالعيسُ العِتاقُ كَأَنَّها
-
-
- هِجانُ المَها تُحدى عَلَيها الرَحائِلُ
-
فَإِن تَكُ قَد وَدَّعتَ غَيرَ مُذَمَّمٍ
-
-
- أَواسِيَ مُلكٍ ثَبَّتَتها الأَوائِلُ
-
فَلا تَبعَدَن إِنَّ المَنِيَّةَ مَوعِدٌ
-
-
- وَكُلُّ اِمرِئٍ يَوماً بِهِ الحالُ زائِلُ
-
فَما كانَ بَينَ الخَيرِ لَو جاءَ سالِمًا
-
-
- أَبو حُجُرٍ إِلّا لَيالٍ قَلائِلُ
-
فَإِن تَحيَ لا أَملَل حَياتي وَإِن تَمُت
-
-
- فَما في حَياتي بَعدَ مَوتِكَ طائِلُ
-
فَآبَ مُصَلّوهُ بِعَينٍ جَلِيَّةٍ
-
-
- وَغودِرَ بِالجَولانِ حَزمٌ وَنائِلُ
-
سَقى الغَيثُ قَبرًا بَينَ بُصرى وَجاسِمٍ
-
-
- بِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ قَطرٌ وَوابِلُ
-
وَلا زالَ رَيحانٌ وَمِسكٌ وَعَنبَرٌ
-
-
- عَلى مُنتَهاهُ ديمَةٌ ثُمَّ هاطِلُ
-
وَيُنبِتُ حَوذانًا وَعَوفًا مُنَوِّرًا
-
-
- سَأُتبِعُهُ مِن خَيرِ ما قالَ قائِلُ
-
بَكى حارِثُ الجَولانِ مِن فَقدِ رَبِّهِ
-
-
- وَحَورانُ مِنهُ مُوحِشٌ مُتَضائِلُ
-
قُعودًا لَهُ غَسّانُ يَرجونَ أَوبَهُ
-
-
- وَتُركٌ وَرَهطُ الأَعجَمينَ وَكابُلُ
-
قصيدة كتمتك ليلًا بالجمومين
قال النابغة هذه القصيدة في رثاء النعمان بن المنذر، يقول فيها:4
كَتَمتُكَ لَيلًا بِالجَمومَينِ ساهِرا
-
-
- وَهَمَّينِ هَمًّا مُستَكِنًّا وَظاهِرا
-
أَحاديثَ نَفسٍ تَشتَكي ما يَريبُها
-
-
- وَوِردَ هُمومٍ لَم يَجِدنَ مَصادِرا
-
تُكَلِّفُني أَن يَفعَلَ الدَهرُ هَمَّها
-
-
- وَهَل وَجَدَت قَبلي عَلى الدَهرِ قادِرا
-
أَلَم تَرَ خَيرَ الناسِ أَصبَحَ نَعشُهُ
-
-
- عَلى فِتيَةٍ قَد جاوَزَ الحَيَّ سائِرا
-
وَنَحنُ لَدَيهِ نَسأَلُ اللَهَ خُلدَهُ
-
-
- يَرُدَّ لَنا مُلكًا وَلِلأَرضِ عامِرا
-
وَنَحنُ نُرَجّي الخُلدَ إِن فازَ قِدحُنا
-
-
- وَنَرهَبُ قِدحَ المَوتِ إِن جاءَ قامِرا
-
لَكَ الخَيرُ إِن وارَت بِكَ الأَرضُ واحِداً
-
-
- وَأَصبَحَ جَدُّ الناسِ يَظلَعُ عاثِرا
-
وَرُدَّت مَطايا الراغِبينَ وَعُرِّيَت
-
-
- جِيادُكَ لا يُحفي لَها الدَهرُ حافِرا
-
رَأَيتُكَ تَرعاني بِعَينٍ بَصيرَةٍ
-
-
- وَتَبعَثُ حُرَّاسًا عَلَيَّ وَناظِرا
-
وَذَلِكَ مِن قَولٍ أَتاكَ أَقولُهُ
-
-
- وَمِن دَسِّ أَعدائي إِلَيكَ المَآبِرا
-
فَآلَيتُ لا آتيكَ إِن جِئتُ مُجرِمًا
-
-
- وَلا أَبتَغي جارًا سِواكَ مُجاوِرا
-
فَأَهلي فِداءٌ لِاِمرِئٍ إِن أَتَيتُهُ
-
-
- تَقَبَّلَ مَعروفي وَسَدَّ المَفاقِرا
-
سَأَكعَمُ كَلبي أَن يَريبَكَ نَبحُهُ
-
-
- وَإِن كُنتُ أَرعى مُسحَلانَ فَحامِرا
-
وَحَلَّت بُيوتي في يَفاعٍ مُمَنَّعٍ
-
-
- تَخالُ بِهِ راعي الحَمولَةِ طائِرا
-
تَزِلَّ الوُعولُ العُصمُ عَن قُذُفاتِهِ
-
-
- وَتُضحي ذُراهُ بِالسَحابِ كَوافِرا
-
حِذارًا عَلى أَن لا تُنالَ مَقادَتي
-
-
- وَلا نِسوَتي حَتّى يَمُتنَ حَرائِرا
-
أَقولُ وَإِن شَطَّت بِيَ الدارُ عَنكُمُ
-
-
- إِذا ما لَقَينا مِن مَعَدٍّ مُسافِرا
-
أَلِكني إِلى النُعمانِ حَيثُ لَقيتَهُ
-
-
- فَأَهدى لَهُ اللَهُ الغُيوثَ البَواكِرا
-
وَصَبَّحَهُ فُلجٌ وَلا زالَ كَعبُهُ
-
-
- عَلى كُلِّ مَن عادى مِنَ الناسِ ظاهِرا
-
وَرَبَّ عَلَيهِ اللَهُ أَحسَنَ صُنعِهِ
-
-
- وَكانَ لَهُ عَلى البَرِيَّةِ ناصِرا
-
فَأَلفَيتُهُ يَومًا يُبيدُ عَدوَّهُ
-
-
- وَبَحرَ عَطاءٍ يَستَخِفَّ المَعابِرا
-
قصيدة ألم أقسم عليك
أيضًا هذه المرثيّة قالها في النعمان بن المنذر، ويقول فيها:5
أَلَم أُقسِم عَلَيكَ لِتُخبِرَنّي
-
-
- أَمَحمولٌ عَلى النَعشِ الهُمامُ
-
فَإِنّي لا أُلامُ عَلى دُخولٍ
-
-
- وَلَكِن ما وَراءَكَ يا عِصامُ
-
فَإِن يَهلِك أَبو قابوسَ يَهلِك
-
-
- رَبيعُ الناسِ وَالشَهرُ الحَرامُ
-
وَنُمسِكُ بَعدَهُ بِذِنابِ عَيشٍ
-
-
- أَجَبِّ الظَهرِ لَيسَ لَهُ سَنامُ
-
المراجع
- الزركلي، الأعلام، صفحة 54 – 55. بتصرّف.
- حسن صالح سلطان، نصرت صالح يونس، رثاء الأحياء / رثاء الأموات قراءة في مراثي النابغة الذبياني، صفحة 137 – 154. بتصرّف.
- محمد أبو الفضل إبراهيم، ديوان النابغة الذبياني، صفحة 115. بتصرّف.
- “كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرا”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2022.
- “ألم أقسم عليك لتخبرني”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2022.