قصيدة أبي لنزار قباني
- أمات أبوك؟
- ضلالٌ! أنا لا يموت أبي
- ففي البيت منه
- روائح ربٍ.. وذكرى نبي
- هنا ركنه.. تلك أشياؤه
- تفتق عن ألف غصنٍ صبي
- جريدته. تبغه. متكاه
- كأن أبي – بعد – لم يذهب
- وصحن الرماد.. وفنجانه
- على حاله.. بعد لم يشرب
- ونظارتاه.. أيسلو الزجاج
- عيوناً أشف من المغرب؟
- بقاياه، في الحجرات الفساح
- بقايا النور على الملعب
- أجول الزوايا عليه، فحيث
- أمر.. أمر على معشب
- أشد يديه.. أميل عليه
- أصلي على صدره المتعب
- أبي.. لم يزل بيننا، والحديث
- حديث الكؤوس على المشرب
- يسامرنا.. فالدوالي الحبالى
- توالد من ثغره الطيب
- أبي خبراً كان من جنةٍ
- ومعنى من الأرحب الأرحب
- وعينا أبي.. ملجأٌ للنجوم
- فهل يذكر الشرق عيني أبي؟
- بذاكرة الصيف من والدي
- كرومٌ، وذاكرة الكوكب
- أبي يا أبي.. إن تاريخ طيبٍ
- وراءك يمشي، فلا تعتب
- على اسمك نمضي، فمن طيبٍ
- شهي المجاني، إلى أطيب
- حملتك في صحو عيني.. حتى
- تهيأ للناس أني أبي..
- أشيلك حتى بنبرة صوتي
- فكيف ذهبت.. ولا زلت بي؟
- إذا فلة الدار أعطت لدينا
- ففي البيت ألف فمٍ مذهب
- فتحنا لتموز أبوابنا
- ففي الصيف لا بد يأتي أبي1
قصيدة خمس رسائل إلى أمي لنزار قباني
- صباحُ الخيرِ يا حلوه..
- صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة
- مضى عامانِ يا أمّي
- على الولدِ الذي أبحر
- برحلتهِ الخرافية
- وخبّأَ في حقائبهِ
- صباحَ بلادهِ الأخضر
- وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
- وخبّأ في ملابسهِ
- طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
- وليلكةً دمشقية..
- أنا وحدي..
- دخانُ سجائري يضجر
- ومنّي مقعدي يضجر
- وأحزاني عصافيرٌ..
- تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر
- عرفتُ نساءَ أوروبا..
- عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
- عرفتُ حضارةَ التعبِ..
- وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
- ولم أعثر..
- على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
- وتحملُ في حقيبتها..
- إليَّ عرائسَ السكّر
- وتكسوني إذا أعرى
- وتنشُلني إذا أعثَر
- أيا أمي..
- أيا أمي..
- أنا الولدُ الذي أبحر
- ولا زالت بخاطرهِ
- تعيشُ عروسةُ السكّر
- فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
- غدوتُ أباً..
- ولم أكبر؟
- صباحُ الخيرِ من مدريدَ
- ما أخبارها الفلّة؟
- بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
- تلكَ الطفلةُ الطفلة
- فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
- يدلّلها كطفلتهِ
- ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
- ويسقيها..
- ويطعمها..
- ويغمرها برحمتهِ..
- وماتَ أبي
- ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
- وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
- وتسألُ عن عباءته
- وتسألُ عن جريدتهِ
- وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-
- عن فيروزِ عينيه
- لتنثرَ فوقَ كفّيه
- دنانيراً منَ الذهب
- سلامات
- سلامات
- إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
- إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ “ساحةِ النجمة”
- إلى تختي
- إلى كتبي
- إلى أطفالِ حارتنا
- وحيطانٍ ملأناها
- بفوضى من كتابتنا
- إلى قططٍ كسولاتٍ
- تنامُ على مشارقنا
- وليلكةٍ معرشةٍ
- على شبّاكِ جارتنا
- مضى عامانِ.. يا أمي
- ووجهُ دمشقَ،
- عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
- يعضُّ على ستائرنا
- وينقرنا
- برفقٍ من أصابعنا
- مضى عامانِ يا أمي
- وليلُ دمشقَ
- فلُّ دمشقَ
- دورُ دمشقَ
- تسكنُ في خواطرنا
- مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
- كأنَّ مآذنَ الأموي
- قد زُرعت بداخلنا
- كأنَّ مشاتلَ التفاح
- تعبقُ في ضمائرنا
- كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
- جاءت كلّها معنا
- أتى أيلولُ يا أماه
- وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
- ويتركُ عندَ نافذتي
- مدامعهُ وشكواهُ
- أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
- أينَ أبي وعيناهُ
- وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
- وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
- سقى الرحمنُ مثواه
- وأينَ رحابُ منزلنا الكبير
- وأين نُعماه؟
- وأينَ مدارجُ الشمشير
- تضحكُ في زواياهُ
- وأينَ طفولتي فيهِ؟
- أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
- وآكلُ من عريشتهِ
- وأقطفُ من بنفشاهُ
- دمشقُ، دمشق
- يا شعراً
- على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
- ويا طفلاً جميلًا
- من ضفائره صلبناهُ
- جثونا عند ركبته
- وذبنا في محبّتهِ
- إلى أن في محبتنا قتلناه
قصيدة ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي لأبي القاسم الشابي
- ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك
- يا أبي ومشاعري عمياء بأحزانِ
- أني سأظمأُ للحياة، وأحتسي
- مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ
- وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ
- للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ
- ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى
- وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ
- حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ
- فتنُ الحياةِ بسِحرِها الفنَّانِ
- فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً
- بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ
- وإذا التشاؤم بالحياة ورفضُها
- ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ
- إنَّ ابنَ آدمَ في قرارةِ نفسِهِ
- عبدُ الحياةِ الصَّادقُ الإيمانَ
قصيدة أبي لإيليا أبو ماضي
- طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
- وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
- أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت
- مقاصير أحلامي كبيت من التّين
- وكانت رياضي حاليات ضواحكا
- فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
- وكانت دناني بالسرور مليئة
- فطاحت يد عمياء بالخمر والدن
- فليس سوى طعم المنيّة في فمي
- وليس سوى صوت النوادب في أذني
- ولا حسن في ناظري وقلّما
- فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
- وما صور الأشياء، بعدك غيرها
- ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
- على منكي تبر الضحى وعقيقه
- وقلبي في نار، وعيناي في دجن
- أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي
- وكنت أعدّ الحزن ضربًا من الجبن
- فمستنكر كيف استحالت بشاشتي
- كمستنكر في عاصف رعشة الغضن
المراجع
- “قصيدة أبي لنزار قباني”، أدب، اطّلع عليه بتاريخ 17/4/2022. بتصرّف.
MohamedTair