تعريف الأشهر الحُرم
الأشهر الحُرم هي أربعة أشهر من بين أشهر السنة خصّها الله تعالى بجعلها مُحرّمةً معظّمةً، كما جاء في قوله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ)،1وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، ومعنى حرمتها عند الله تعالى؛ بأنّ ابتداء القتال فيها محرّمٌ إلا ما كان ردًا للعدوان أو دفاعًا عن النفس؛ لعظمتها عند الله تعالى، حيث قصد الله تعالى في هذه الأشهر إشاعة روح الأمن والطمأنينة بين الناس؛ بتحريم الاعتداء والقتال فيها.23
منزلة الأشهر الحُرم
منزلة الأشهر الحرم عند العرب
كانت العرب في الجاهلية تُعظّم الأشهر الحرم وتجلّها، وتمتنع فيها عن القتال، وهو ما ورثته عن دين إبراهيم -عليه السلام-، إلا أنّ بعض القبائل العربية كانت معتادةً على الغزو والثأر؛ فكانت تحتال على هذه الأشهر الحرم، فتؤخّر تحريم بعضها إلى أشهرٍ أخرى، كما جاء في قول الله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).45
منزلة الأشهر الحرم في الإسلام
خصّ الله تعالى بعض الأزمنة والأمكنة بفضل ومنزلة أعظم عن غيرها، ومن الأزمنة ذات الفضل والمنزلة: الأشهر الحُرم؛ فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة، وتتمثل مظاهر عظم منزلتها بأنّ الله تعالى جعل الذنوب والمعاصي فيها أشدّ إثمًا، والطاعات والعمل الصالح أعظم ثوابًا وأجرًا، كما أنّ الظلم فيها أشد قُبحًا، وأعظم وِزْرًا عمّا سواها من الشهور، ولذلك كان لتلك الشهور حقٌّ على المسلم بوجوب تعظيمها، وتشريفها بالعبادة والعمل الصالح كما شرّفها الله -سبحانه وتعالى- بالتعظيم والتحريم.5
وقد كتب الله العهد والأمان للمشركين في الأشهر الحرم، قال الله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّـهَ غَفورٌ رَحيمٌ)؛6 إذ إنّ القتال والغزوات كانت تتوقّف في هذه الأشهر بأمر من الله تعالى، أمّا الدفاع عن النفس فلا يُحرّم في تلك الأشهر.7
ما الحِكمة من تحريم الأشهر الحُرم؟
قد يتساءل البعض لماذا خصّ الله تعالى هذه الأشهر الأربعة بالتحديد وجعلها محرّمةً دون غيرها، وآتيًا بيانٌ للحكمة من ذلك:5
- الاستعداد لمواسم الطاعات: حيث تأتي الأشهر الحُرم كمحطّةٍ بين رُكنَين من أركان الإسلام، وهما: الصيام، والحجّ؛ إذ يأتي شهر رجب المُحرّم قبل شهر رمضان، فيكون فرصةً للاستعداد لصيام رمضان؛ تلك العبادة الجليلة التي تحتاج إلى تهيئة النفوس، بينما تأتي فريضة الحجّ في الأشهر الحُرم؛ لتتفرّغ النفس للعبادة، فالحج فيه مَشقّةٌ، وأداء مناسكه يتطلّب بَذْل جُهد وطاقة كبيرين.
- إعطاء فرصةٍ للأطراف المتقاتلة: إنّ في وقف القتال في الأشهر الحرم يُعطي فرصةً لطرفي الحرب لترتيب أولوياتهم، وموازنة أمورهم؛ فقد يُغير المسلمون خططهم ويعيدوا ترتيب أمورهم واستعدادهم، وقد يغيّر أعداؤهم نظرتهم للحرب ويرون إنهاءها بعد إيقافها في الأشهر الحرم، وهي فرصةٌ لدعوتهم إلى الإسلام.
ما ترتيب الأشهر الحُرم؟
ينفرد شهر رجب من بين الأشهر الحُرم؛ حيث يأتي مُنفردًا عنها، بينما تأتي الأشهر الحُرم الأخرى مُتتاليةً، تعقب بعضها بعضًا؛ إذ يأتي ذو القعدة، ليتبعه ذو الحِجّة، ثمّ يأتي شهر الله المُحرّم،8 وعليه فإنّ أوّل الأشهر الحُرم هو شهر رجب، ويكون بين جُمادى وشعبان، وبعد شعبان رمضان، ثم شوال، ثمّ يكون ذو الحِجّة، ذو القِعدة، ثمّ شهر المُحرّم.9
وقد ورد في صحيح البخاريّ عن أبي بُكرة نفيع بن الحارث أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).10
فضل الأشهر الحُرم وخصائصها
خصّ الله -سبحانه وتعالى- الأشهر الحُرم وميّزها بعددٍ من الفضائل والخصائص، ومن فضائل الأشهر الحرم:3
- تحريم القتال، وتعظيم وتأكيد وزر الظلم في هذه الأشهر.
- مُضاعفة أجر وثواب العبادات والأعمال الصالحة فيها، وتعظيم إثم المعاصي والآثام.
- أداء فريضة الحجّ يكون في أيّام شهر ذي الحِجّة وهو من الأشهر الحُرم.
- اشتمال الأشهر الحرم على خير الأيّام عند الله؛ وهي العشر من ذي الحِجّة التي أقسم الله -سبحانه وتعالى- بها في قوله: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ).11
- اشتمال الأشهر الحرم على خير أيام السنة، وهو يومُ عرفة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)،12 وكذلك يوم النّحر، الذي قال فيه النبيّ: (إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ).13
- تغليظ دِيَة القتل في الأشهر الحُرم عند الشافعيّة والحنابلة؛ لشدة عظم وحرمة هذه الأيام.14
المراجع
- سورة التوبة، آية:36
- محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 585-586. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الله بن عبده نعمان العواضي (20/1/2018)، “تعظيم الأشهر الحرم”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 4/8/2024. بتصرّف.
- سورة التوبة، آية:37
- ^ أ ب ت “الأشهر الحُرم.. أَحْكَامٌ وحِكَم”، طريق الإسلام، 21/2/2021، اطّلع عليه بتاريخ 4/8/2024. بتصرّف.
- سورة التوبة ، آية:5
- عبد الله الجلالي، دروس للشيخ عبد الله الجلالي، صفحة 31. بتصرّف.
- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، صفحة 105. بتصرّف.
- “قصة الأشهر التي يتوقف فيها القتال”، قصة اسلام، اطّلع عليه بتاريخ 29/12/2021. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 3197، حديث صحيح.
- سورة الفجر، آية:1-2
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1348، حديث صحيح.
- رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن قرط، الصفحة أو الرقم:1765، صححه الألباني.
- “آراء الفقهاء في أسباب تغليظ الدية”، إسلام ويب، 9/2/2011، اطّلع عليه بتاريخ 4/8/2024. بتصرّف.