ما الفرق بين الوتر وقيام الليل؟
إنّ الوتر وقيام الليل من الصلوات المشروعة التي يؤديها المسلم في الليل، وبين الوتر وقيام الليل فروقات وردت في السُنّة، وفي بعض أقوال أهل العلم، ومن الفروقات بين قيام الليل والوتر ما يأتي:1
- في السُنّة: فرّقت السُنّة القولية والفعلية بين الوتر وقيام الليل؛ ففي السنة القولية حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ قالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فأوْتِرْ بوَاحِدَةٍ)،2 أمّا في السنة الفعلية، فما روته عائشة -رضي الله عنها- من قولها: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي وأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً علَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يُوتِرَ أيْقَظَنِي، فأوْتَرْتُ).3
- أقوال أهل العلم: فرَّقَ أهل العلم بين الوتر وقيام الليل من حيث الحُكم والكيفيّة؛ فأمّا من حيث الحُكم، فسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً في المقال، وأمّا من حيث الكيفية؛ فقيام الليل يكون ركعتَين ركعتَين، والوتر يكون ركعة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع ركعات، ولا يجلس المُصلّي إلّا في آخرها، وإن صلّاها تسع ركعات، فإنّه يجلس بعد الركعة الثامنة ولا يُسلّم، ويقوم فيأتي بالركعة التاسعة، ثُم يتشهّد ويُسلِّم، يمكن أن تصلى ركعتين ركعتين، ثم يأتي المصلي بالركعة المتبقية وحدها؛ فعدد ركعات الوتر فردي، ويلاحظ من هذه الفُروقات أنّ صلاة الوتر تعتبر جُزءًا من قيام الليل.14
فضل قيام الليل وحكمه
ما فضل قيام الليل؟
جاءت الكثير من الأدلّة التي تُبيّن فَضائل قيام الليل، وتحثّ عليه، ومن هذه الفضائل ما يأتي:5
- مدح الله تعالى لِمَن يقوم الليل وثناؤه عليه، ووصفُه له بالإيمان والتقوى، في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ*تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).6
- قيام الليل سبب في الوقاية من عذاب جهنّم، ودخول الجنّة؛ قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).7
- تثبيت الإيمان، والصلاح في الحال والمال، والإعانة على أداء الأعمال الصالحة.
- سبب لوجوب مَحبّة الله تعالى للعبد؛ فيقُرّبه إليه، ويستجيب دُعاءه.
- الوقاية من الفِتن، وإزالة الخوف والحزن.
- نزول الله تعالى إلى السماء الدُّنيا في الثُّلُث الأخير من الليل؛ وهو أفضل وقتٍ للقيام، فيستجيب دعوات الداعين؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).89
ما حُكم قيام الليل؟
اتّفق الفُقهاء على مشروعية قيام الليل؛ فهو سُنّة عند الحنفية، والحنابلة، ومُستحَبّ عند الشافعية، ومندوب عند المالكية،10 واستدلّوا على ذلك بأدلة من القُرآن، والسُنّة، والإجماع، وبيانها آتيًا:
- من القُرآن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).11
- من السُنّة حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قوله: (عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، وقُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ وتَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ).12
- الإجماع: نقل الإجماع على أنّ قيام الليل سنّة عدد من الأئمّة، منهم النووي، وابن عبد البر، وابن حجر.13
فضل صلاة الوتر وحكمها
ما فضل صلاة الوتر؟
أجمع العلماء على أنّ وقت الوَتر يبدأ بعد صلاة العشاء وينتهي بالفجر،14 وممّا ورد في فضائل صلاة الوتر وفوائدها ما يأتي:15
- مُحافظة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عليها، فلم يكن النبي يدع الوتر في حَضرٍ، ولا سفر؛ وهذا يُؤكّد فضل الوتر، وكونه من العبادات العظيمة.
- وصيّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لأبي هُريرة -رضي الله عنه- بالمُحافظة عليها، وأن لا ينام قبل أن يُصلّيه؛ إذ قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بثَلَاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وصَلَاةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ علَى وِتْرٍ).16
- ما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وهو حديث ضعّفه بعض العلماء، إلا أنّ له شواهد كثيرة: (إن اللهَ قد أمركُم بصلاةٍ هي خيرٌ لكمْ مِنْ حمرِ النعمْ، وهيَ لكمْ ما بين صلاةِ العشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ، الوِترُ الوِترُ، مرتينِ)،17 وهذا الحديث دليل على عظم أجر صلاة الوتر؛ فقد نصّ الحديث أنّ صلاة الوتر خيرٌ من حُمر النِّعَم، وحمر النعم هي أفضل أموال العرب، وأغلاها.18
ما حكم صلاة الوتر؟
اختلف الفُقهاء في حُكم صلاة الوتر على قولَين، وذلك كما يأتي:19
- جمهور الفقهاء: ذهب جُمهور الفُقهاء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى أنّ صلاة الوتر من السُّنَن المُؤكَّدة، وهي ليست واجبة؛ واستدلّوا على ذلك بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ وِترٌ يحبُّ الوِترَ، فأوتِروا يا أهلَ القرآنِ)،20 كما استدلّوا بمحافظة الرسول عليها، وقد صرَّح الشافعية، والحنابلة بأنّ صلاة الوتر واجبة في حقّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فقط.
- الحنفيّة: ذهبوا إلى أنّ صلاة الوتر واجبة، وليست فرضًا؛ واستدلّوا على وجوبها بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ تعالى قدْ أمدكمْ بصلاةٍ هي خيرٌ لكمْ من حمرِ النعمِ، الوترُ جعلَها اللهُ لكمْ فيما بين صلاةِ العشاءِ إلى أنْ يطلعَ الفجرُ).[٢١] وهذا الأمر يقتضي الوجوب.
المراجع
- ^ أ ب ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 262-264. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1137، حديث صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 997، حديث صحيح.
- “هل صلاة الشفع والوتر هي قيام الليل “، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
- عبد الله بن صالح القصير، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام، صفحة 49-55. بتصرّف.
- سورة السجدة، آية: 15-16
- سورة الذاريات، آية: 15-17
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، حديث صحيح.
- محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الأردن: بيت الأفكار الدولية ، صفحة 609-610، جزء 2. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 118. بتصرّف.
- سورة الفرقان، آية: 64.
- رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:4079، صححه الألباني.
- ” قيامُ اللَّيلِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.
- “المختصر المفيد في صلاة الوتر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2020. بتصرّف.
- الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان (2009)، القنوت في الوتر (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الأثير للنشر والتوزيع، صفحة 7-9، جزء 1. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1178، حديث صحيح.
- رواه البخاري، في السنن الصغير، عن خارجة بن حذافة العدوي، الصفحة أو الرقم: 1، لا يعرف لإسناده سماع بعضهم من بعض.
- عبد الله البسام، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 405. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 289-293. بتصرّف.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 453، صححه الألباني.
- رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن خارجة بن حذافة العدوي، الصفحة أو الرقم: 1751، حديث صحيح.