الاعتدال في الإنفاق
قيمة الاعتدال في الإنفاق تعد من أبرز القيم الاقتصادية التي تميَّز بها النظام الاقتصادي في الإسلام؛ لذا جاء في وصف الله العباد المنتسبين للرحمن والمقربين إليه -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)،1أي: كان بين الإسراف والتقتير عدلاً ووسطاً، ويرى الحسن البصري أنَّ ما ينفقه الرجل على أهله في غير إسراف ولا فساد ولا تقتير فهو جزء من النفقة في سبيل الله -تعالى-.2
كما جاء في الوصايا الحكيمة التي نوَّه بها القرآن واعتنى بها: الوصية بالتوازن والاعتدال في النفقة؛ فقال -تعالى-: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)،3 أي فلا تمسك يدك عن النفقة في الحق، فتعاملها كأنها مغلولة أنت لا تقدر على مدِّها، كما -في الوقت ذاته- لا تبذر فتعطي جميع ما عندك -ولو بالحق-؛ لأنه سيلومك الذين لهم حق النفقة عليك، وستكون نادماً على ما فرط منك.4
محاربة الغش التجاري
ويُقصد بالغش: إظهار أحد المتعاقدين -أو غيره- شيئاً في العقد بخلاف الواقع، ويكون ذلك إما بوسيلة قولية، أو بوسيلة فعلية، أو بكتمانٍ لوصفٍ غير مرغوب فيه، مما لو علِمَ به أحد المتعاقدين لامتنع من التعاقد عليه،5 ومن صور الغش التي نهى عنها الإسلام: نقصان الكيل والميزان، الذي حذَّر منه القرآن وأمر بمعكوسه وهو الوفاء؛ فقال -تعالى-: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).6
وقد هدّد القرآن بالويل والهلاك والتباب لكل مَن ينقص في المكيال أو الميزان إذا باع، ولكنه يحرص على أن يأخذ حقه وافياً إذا اشترى؛ فقال -تعالى-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)،7 فقد توعدت الآيات بالهلاك والعذاب والشقاء والحزن الدائم لؤلئك المطففين: الذين يحرصون على أن ينالوا حقهم كاملا، ويعطون حق غيرهم ناقصاً.8
التوازن في توزيع الثروات
التفاوت والتنوُّع في توزيع الثروات والدخل المادي أمر طبيعي متعلّق بأقدار الله في الرزق وتفاوت سعي الناس من أجله واختلاف مواهبهم وقدراتهم؛ لذا فهو مما يقره الإسلام -بل يعتبره ضرورة لخلق الحوافز وتحقيق التعاون والتكامل المستوى المحلي والدولي-، لكن الذي يرفضه الإسلام بشدة: التفاوت الفاحش في توزيع الثروات والدخل المادي، بحيث تستأثر فئة معينة بالخير كله، وتهميش الأغلبية.9
ولتحقيق هذا التوازن قال -تعالى-: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)،10 وذلك كي لا يكون المال متداولاً بين فئة تستأثر به دون غيرها، سواء على مستوى أفراد المجتمع المحلي أو بين الدول، فتدخَّل التشريع الاقتصادي الإسلامي لتحقيق العدالة؛ من خلال إعادة التوازن بضبط التفاوت الفاحش في توزيع الثروات والدخل المادي، فيخضع النشاط الاقتصادي لإرادة الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فكرة التوازن الاجتماعي.11
المراجع
- سورة الفرقان، آية:67
- أبو الليث السمرقندي، بحر العلوم، صفحة 545. بتصرّف.
- سورة الإسراء، آية:29
- البغوي، تفسير البغوي، صفحة 90. بتصرّف.
- دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 89. بتصرّف.
- سورة الأنعام، آية:152
- سورة المطففين، آية:1-3
- وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 2839. بتصرّف.
- محمد شوقى الفنجري، الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول، صفحة 23. بتصرّف.
- سورة الحشر، آية:7
- وزارة الأوقاف السعودية، الاقتصاد الإسلامي، صفحة 12. بتصرّف.